والغرب الصليبي حاول منذ أربعة قرون تقريباً السيطرة على المنطقة -كمحاولات البرتغاليين- وفي القرن الماضي اشتد التنافس بين فرنسا وبريطانيا عليها، ثم تفرد الإنجليز بالهيمنة المطلقة، وسلم لها سائر الغرب بذلك حتى بعد اكتشاف النفط وقدوم الشركات الأمريكية إلى المنطقة .
  1. هدف بريطانيا من الخليج

    وابتدأ أفول شمس الامبراطورية البريطانية بعد الحرب العالمية الثانية واستقلال أكثر مستعمراتها، ومع ذلك ظلت متشبثة بمنطقة الخليج وجنوب الجزيرة، إلا أن هذا لم يمنع حليفتها الأقوى ومنافستها الكبرى الولايات المتحدة من الاطلاع بدور ما في المنطقة، وبداية السعي لاحتوائها؛ فكان ما سمي مبدأ ترومان الذي أمر في منتصف عام 1948 بتشكيل القوة الخاصة السادسة التي كانت سابقاً تدير الأسطول السادس الأمريكي... وبدأت الطائرات الأمريكية على الفور باستخدام قواعد في ليبيا وتركيا والعربية السعودية (ضمن قانون الإعارة والتأجير الذي سعى الرئيس روزفلت إلى إدخال المملكة فيه كدليل على حسن النية تجاهها) وهكذا تشكل وجود عسكري أمريكي في الشرق الأوسط لأول مرة. (مذكرات نيكسون ص: 104).
  2. تركيز أمريكا على الخليج

    وبعد سنوات حدثت أحداث كبرى منها: النزاع العربي الإسرائيلي، واشتداد المنافسة السوفيتية، وهو ما استدعى وجوداً أمريكياً أقوى وأكثر تمركزاً؛ إلا أن الأوضاع السائدة في المنطقة كانت لا تسمح بوجود عسكري أمريكي مباشر، فكان التركيز الأمريكي على أن تتم السيطرة على البحر الأبيض من جهة والمحيط الهندي من جهة أخرى، ومن هنا كانت القواعد الأمريكية تحيط المنطقة من بعيد ولكن باهتمام شديد في أسبانيا، تركيا، اليونان، كينيا، الصومال، تايلند، فيتنام على أن أهمها اتخذ مقراً له الجزيرتين الاستراتيجيتين وهما:
    دييغو غارسي في المحيط الهندي، وهي من أرخبيل موريشس، وتبعد 3700 كم عن منطقة الخليج ومع ذلك يعلق الأمريكيون عليها أهمية كبرى، ويعدونها أهم قاعدة لهم لحماية الخليج! فكيف نتصور ابتهاجهم إذا أصبح لهم وجود فعلي في الخليج نفسه.
    والأخرى جزيرة كريت في البحر الأبيض، وكلاهما رغم البعد النسبي تجعلان منطقة الخليج ضمن دائرة هيمنة الطائرات الأمريكية الحديثة (مثل بي 52، إف 14، 15، 16 التي تنطلق من حاملات طائرات متطورة) .
    وفي سنة 1387 هـ- 1967م، كانت الحرب المعروفة بين العرب واليهود وصحبها إغلاق قناة السويس، وما هو أعظم منه وهو الاستياء الشديد الذي عم العالم الإسلامي كله والعرب خاصة من الموقف الأمريكي المنحاز جداً إلى اليهود، مما فسح المجال للمنافسة السوفيتية، وأعطى الأنظمة والأحزاب الثورية الاشتراكية الموالية للسوفييت الوقود لإشعال العداوة ضد الأمريكان ليل نهار، حتى شهدت المنطقة ثورات ومظاهرات تتغذى بشعار "بترول العرب للعرب"، وقد شملت هذه المظاهرات عمال أرامكو العرب، وأعقب هذا إعلان بريطانيا عام 1389هـ (1969م) تخليها عن منطقة الخليج بعد عامين -أي: سنة 1971م- مما أحدث قضية كبرى بالنسبة للعرب أسموها "الفراغ الأمني في الخليج"، وكان طبيعياً أن تكون الولايات المتحدة هي المهتم الأول بالأمر، وكان المفترض أن يكون لها وجود مباشر في الخليج وخاصة في مضيق هرمز ولكن "لسوء الطالع" كما عبَّر نيكسون، حدث ذلك عندما كانت صرخات الشعب الأمريكي تتعالى ضد الحرب في فيتنام، وهنا برزت أعقد مشكلة داخلية حيال الوجود الأمريكي المباشر في الخليج وهي عقدة فيتنام التي ظلت أمريكا تحسب كل حساب لتلافيها "وهذا ما هيأ له ريجان ونجح فيه بوش إلى حدٍ كبير".
  3. الملك فيصل وحنكته أمام أهداف الغرب

    هذا وفي أثناء ذلك كانت المملكة العربية بيد الملك فيصل الذي أجمع ساسة العالم على حنكته ودهائه، والذي كان يدرك مخاطر المنطقة كلها فكانت سياسته تسعى إلى إبعاد الوجود الأجنبي كله سوفيتياً أو أمريكياً عن المنطقة، ومن أعماله في ذلك:
    1- نزع الفتيل الذي أراد الغرب تفجير المنطقة به وهو النزاع على واحة البريمي وذلك بالصلح مع الإمارات، بل السعي إلى قيام الاتحاد بينها، وحث قطر والبحرين على الدخول في الاتحاد، ولما لم تدخلا سعى إلى ربطهما بـالمملكة بأقوى الروابط الممكنة.
    2- إقامة علاقة متينة مع شاه إيران -الذي سيأتي الحديث عنه- وقد أعلنا ومعهما الرئيس الصومالي ثم بورقيبة فكرة "التضامن الإسلامي" لتجابه الفكر الثوري (الناصري والبعثي).
    وما أن هلك عبد الناصر سنة 1390 هـ- 1970م وجاء السادات حتى انضمت مصر إلى الفكرة، وقام ما يشبه التحالف القوي في المنطقة بين إيران، السعودية، مصر، وكان الكل يعلن رفض الوجود العسكري الأجنبي، وإن كانت هناك بعض التسهيلات للقوات الأمريكية وخاصة في مصر وعُمان وإيران.
    وفي سنة (1393 هـ-1973م) وقعت حرب رمضان، واستطاع الملك فيصل فيها تحقيق هدفين كبيرين:
    - الأول: سلب القوى الثورية شعارها القديم، حيث أعلن هو حظر النفط عن الغرب الذي وقف مع الدولة اليهودية في حرب صليبية سافرة.
    - الثاني: إثبات أن أمر المنطقة بيد أهلها، وأن التحدي للغرب ممكن ولو جزئياً؛ ومع أن الحرب نفسها كانت حرب تحريك للقضية لا تحرير لـفلسطين "كما اعترف السادات" فإن الغرب استجاب للتحدي بأقوى ما يمكن، ولم ينس وزير الخارجية الأمريكي اليهودي- هنري كيسنجر- إهانة الملك فيصل له وتحديه لأمته حين قال: ''نحن نستطيع أن نعيش على اللبن والتمر كما كان أجدادنا من قرون!!''.
    وأعقب تلك الحرب بروز منظمة الأوبك كقوة عالمية وارتفاع أسعار النفط بشكل لم يسبق له نظير "مع أنه سعره عادي للغاية" وهو ما كانت له آثاره الواضحة في الاستراتيجية الغربية كما سنرى، كما أعقبها اغتيال الملك فيصل واختفت تماماً فكرة حظر النفط، ودخلت المنطقة في دوامة فك الاشتباك ثم الحلول والمبادرات السلمية التي منها معاهدة كامب ديفيد، وبرز شرطي الخليج الشاه ليكون أقوى قوة في المنطقة، وقام بإذلال العراق ( اتفاقية شط العرب التي وقعها صدام ) وتهديد دول الخليج الأخرى!!
    وحاول إحكام قبضته على الخليج، بل سعى إلى تزعم المنطقة بكاملها؛ إلا أن الغرب أدرك في النهاية أنه وضع ثقته في غير موضعها وأخذ يعيد النظر في تقديراته بشأنه، وهنا نعود قليلاً إلى الوراء ثم نتابع سقوط الشاه ونتائجه.